دفتر يتبع مالكه







لقد اتخذت قرار التخلي عن هذا الدفتر.. مرتين
كلتاهما كان ضمن قرار الانتقال لحياة جديدة كليا
وفي كلتا المرتين، تبعني الدفتر بشكل أو بآخر، وقرر اللحاق بي رغما عني وربما كذلك رغما عنه

في البداية كان فراقٌ على عَجَل
كان قرارا عقلانيا بأنني لست بحاجة لهذا الحجم لكي احتفظ بالكلام العالق في حلقي
دفتر صغير كسب المقارنة أمامه، ولذلك بقي هو في رفٍ سفلي من مكتبة غرفتي الصاخبة في بيت والديّ

وبعد زيارات متباعدات لغرفتي التي تركتها في عُهدته، كان يحدقّ فيّ كلما عدت 
كان يداعب عيناي بأزهاره ويخبرني كم يحمل في صفحاته الشاسعة من متسع لاحتضان لغتي الجديدة
وكلما ألح، كلما استمعت.. حتى قررت أن أمنحه موطئا مما تزودت به ليكمل الطريق معي

ظل الدفتر قابعا في رفّ مهجور من المكتبة الجديدة، لا يحمل بين طياته أي إضافة حيّة لما أخوضه أو أفكّر به
لا يعنيه سوى حدثين شهدهما معي عام ٢٠١٥، وانغلقت الصفحات عليهما.. مابين تناسٍ أو حتى انخراط

لهذا العام تحديدا، حضور ضخم في تكويني
توقَّفَت العديد من الساعات فيه بشكل فجائي/ تراتبي، وبدأت ساعات أخرى دق عقاربها
فيه اختبرت مذاق ما يصنعه الله في القلب بنزع أشخاص من حياته.. وكذلك بإضافة آخرين
الالتقاء بالموت الأول وجها لوجه
والاحتماء في الحب الأول وجها لكتف
سكرات التغيير والتجربة، افتقاد المألوف الآمن.. ونشوة اختيار كل أحجار بنائك الجديد في قلب يسكنك

في التخلّي الثاني - والذي قد لا يكون الأخير..- قررت ترك الدفتر مجددا
في رفّ مكتبة كانت ستصبح خلال أيام مكتبة أسرة جديدة
أسرة لا تعلم أنها تحلّ موضع حيث نمى قلبي وتعلّم كيف يحفظ أزهاره
 قبل أن يقرر القفز الحرّ إلى السماء والاحتمالات

إلى المكتبة الثالثة، عاد بلا قرار منّي أو تفكير في احتمالية أنه نجى من التخلّي الأخير
نجى بأعجوبة القرش الأحمر الذي ضلّ صاحبه.. وبقرار من صديق لم يتمالك أمام براءة أزهاره وإمكانات صفحاته الفارغة أو حتى قَدر أسراره التي ربما قد يكون قد باح له بها متوسلا للنجدة

الدفتر عاد.. قاطعا وللغرابة أميالا من قارة لأخرى بملء إرادته في حقائب سفر العابرين
لم يُبدِ أبدا علامات اغتراب، لم يتردد في معرفة إلى أين سيؤول به المطاف
وانتمى ببساطة لمالكته منذ اللحظة الأولى
ولتاريخين لا غيرهما*.. خُطّا على عجل فوق صفحاته قبل أن ينغلقا دونما وعد بمشاركة المزيد

..

..



* تاريخ وفاة الوالد رحمه الله أحدهما
--


انتهى

Comments

الأكثر قراءةً