نصف وجهها ينساب بين العابرين




مقطع: نهار خارجيّ
.. البطل: امرأة في آخر عقدها السادس تقريبا
الوجهة: غير محددة.. لكنّ البداية انطلقت من طريق آخره حديقة وأوله محطة للسكة الحديد
والخاتمة ستتحدد كيفما تشاء البطلة ليومها أن يكون

مشهد ١:
( من عينيها يكون البدء.. ثم ابتعادا ليمتلئ الكادر بها بين راحتي هواء قوي وخطوات مارّة يتقاذفان شعرها يمنة ويسرة )
المارّون حولها من ناحية اليمين.. كانوا يسيرون على عَجَل دون أن يلمحوا شطر وجهها الآخر
فهم قريبون من محطة قطارات الأنفاق .. أو على وشك قطع الطريق للجهة المقابلة
أغفلوا نصف وجهها الذي لولاه لاكتمل مشهد الإنصاف في حق الأسئلة التي راودتها مليا منذ بداية الصباح

أما المارون من ناحية اليسار، ولأنهم الأقرب لبوابة الحديقة التي كانت لفترة مؤقتة فقط هي وجهتها قبل أن تُغيِّر رأيها
 كانوا اكثر تفهُّما لوجهها الغائب ولخطواتها المرتبكة في وقار عمرها الذي يماطل ليُبدي نفسه
فـَ هُم مثلها، جاؤا اليوم بحثها عن أنفسهم في بعض الهدوء
احترموا فضولها المرئي، وزهدها المخفي، وتوقها المُحبط في أن تستمتع بساعة نهارية عادية لم يتقرر لها مآل
حتى وإن كانت ستظل للحظات طوال.. أن تتسمّر في مكانها
 أمام بوابة حديقة وارفة، قد لا تطئها من الأساس هذا النهار


مشهد ٢:
( من عينيها يكون البدء.. يتبعهما إطار لا يحمل سوى خاتم يدها..
 ثم ابتعادا ليمتلئ الكادر بهيئتها جالسة قرب النافذة في مقصورة قطار سريع.. )

خاتمها ثلاثي الطوابق والأحجار، وطلاء الشفاه الماثل لرمادية شعرها
كل شيء كان يُنذر أنها.. ربما.. بل حتما.. تأنقت من أجل أن تتوافق مع ما يدور في روحها هذا اليوم ..
 لا لأن تكذب على نفسها أو تدّعي خلاف ما تشعُر

في البداية كانت الحديقة.. لكن خطوتها المتأنية على الأرض قررت أنها تريد لحركة سريعة أن تلفّها وتسري في عروقها
فقررت العودة أدراجا لأخذ القطار دونما وجهة.. وملاقاة أعين الغرباء والتيه في الزحام

..
على متن القطار.. كانت الشمس رغم مصادفتها لعناق هواء بارد قد قررت المُكث لساعة إضافية
من حقيبة دوار الشمس التي لا تتخلّى عنها طالما غادرت بيتها* أخرجت كتاب أحجيات وكلمات متقاطعة
وقررت.. للمرة الثالثة هذا اليوم، أن تخالف العمر البادي على وجنتيها
وتتقافز برشاقة بين الكلمات في ذهنها.. سارحة في النافذة تارة.. في جيران القطار تارة.. وفي الكتاب تارة أخرى
مقررة تماما أن هذا الستار الذي أسدلته على العالم.. وأشعلته في عقلها.. هو بالتحديد ما سيحفظ عليها أمان نهارها
..

مشهد ٣:
( انتظار.. ثم قرار واختيار )

بعد صفحات من الكلمات/المحطات المتقاطعة .. قَرَّرَت النزول لبدء رحلة البحث عن سبيل للعودة.. أو ربما البدء من جديد
تَرَكَت القِطار.. وارِفة القوام والأمل.. مائجة الشعر أدكنه، كانسياب هواء الليل بين العابرين
لا تحمل من سنواتها سوى عشرين قلبها.. وحقيبة دوار الشمس
والحلم بالبدء من جديد

--

انتهى
--

حقيبة تذكارية للوحة دوار الشمس من متحف ڤان جوغ بأمستردام - هولندا*

Comments

Post a Comment

الأكثر قراءةً