كتاب: حياة الإنسان اليومية - العصر الحجري


قبل أيام في تمشية عشوائية لم أقرر وجهتها.. عثرت على جوهرة في متجر للأشياء القديمة
مجلد أنيق بغلاف يحمل صورا لمختلف أنماط البشر وجنسياتهم بملابس تقليدية

المجلد بعنوان "حياة الإنسان اليومية على مرّ العصور"، ويسرد التاريخ الاجتماعي للحياة اليومية للبشر بداية من العصر الحجري وحتى القرن العشرين.


يضم المجلد أكثر من تسعمائة صورة فوتوغرافية ورسومات وخرائط ولوحات لعرض تفاصيل الأحداث والعادات اليومية التي خاضها الإنسان منذ القدم وحتى قبل سنوات قُلال.

لم أفكر مليّا في الأمر.. وبعد ثوانٍ كنت أحمله بين ذراعيّ كأنه طفل وأنا أهرع للمنزل لكي أمسح الغبار عنه وأخوض في تفاصيله وصوره وأتعرف على كل هذه الشخصيات على غلافه


في البداية يتحدث الكتاب عن أهمية الاطلاع على صور حياة الإنسان.. كيف شرب وأكل، ما القيم التي حركته والغرائز التي سادته، كيف نمى وبنى وازدهر وتعامل مع الإنسان الآخر، وكيف سكن في ليلته وقام في نهاره ولأي غرض
لأنه بمعرفة الماضي نعرف كيف تطورنا نحن، وكيف نمُتُّ بـ صِلة لعصور قديمة ونعرف أصلنا وممَ ننحدر ونشعر بشيء من الانتماء.. وفي نفس الوقت نكتشف كيف اختلفنا وأصبحنا ما نحن عليه اليوم، كيف تغيرنا وتطورت معاييرنا للأشياء  والأهداف الحياتية اليومية



الباحثون الذين ساهموا وأشرفوا على وضع نسخته الأولي في ١٩٩٢ هم أساتذة جامعيين في العلوم والتاريخ الإنساني، وفي علوم الآثار وما قبل التاريخ.

الفصل الأول يتحدث عن الإنسان الأول، الذي عاش منذ ١٠٠ ألف سنة قبل الميلاد، وحتى ٢٥٠٠ قبل الميلاد
سيطر البحث عن الطعام على سُلّم أولوياته، وكان الصيد هو الوسيلة لإيجاد قوت يومه، فاختلق الإنسان الوسائل القتالية من الحجارة وغيرها لاصطياد الحيوان، فيما عكفت المرأة على رعاية الصغار وجمع الثمار من فاكهة وجوز وغيرها، وعرفت كيف تُخرج جذور النباتات القابلة للأكل وبيض الطيور والحيوانات الصغيرة..


في فترة امتدت لقرابة مليون سنة، كانت كل وسائل الإنسان البدائي التي استخدمها للصيد والدفاع عن النفس ومستلزماته الأساسية بعد اكتشاف النار، مصنوعة من الحجارة، لذلك تُسمى هذه الحقبة بالعصر الحجري
 وقد وُجدت بقايا الإنسان البدائي وأدواته في غرب أوروبا، وأفريقيا، ووسط آسيا. وبحسب قدرته على الترحال واستئناس الأراضِ الجديدة، تمكن من إعمار الأرض في تقديرات وصلت إلى ما بين 5 و10 مليون إنسان في العالم في فترة 10 آلاف سنة قبل الميلاد، مستخدما وسائله للصيد المباشر لكفاية نفسه وعائلته، أو للمقايضة مقابل خدمات وأدوات أخرى.

تصنيع الأدوات ووسائل الصيد كانت الحرفة الأولى التي أتقنها الإنسان، وكلما كانت أسلحته أدق وأكثر حدة، ورؤوس حربه مسنونة بشكل مُتقن، كان ذلك دلالة على مكانة مُقتني تلك القطع الرفيعة.


ولأن الأولوية المطلقة للإنسان الأول كانت البحث عن غذاء مناسب، فقد شكّل مجموعات من الرُحَّل
تلك المجموعات تستقر في منطقة لتقتات على خيرها من نبات وحيوان لحين اختلاف الفصل، ثم ترحل لمنطقة جديدة
وفي ما خلّفته هذه المجموعات وُجدت هياكل حيوانات تم تناولها طعاما كالخيول، الغزلان، الثيران والمواشي البرية وحتى هياكل فيلة الماموث العملاقة وفصائل من وحيد القرن صوفي الجلد وأنواع طيور منقرضة.




باكتشاف الإنسان الأول لطريقة جديدة وأسهل لإشعال النار عن طريق ضرب أنواع معينة من الحجارة في بعضها البعض، عوضا عن طريقة عودي الخشب وحكهم مطولا في بعضهم، استطاع أن يسكن الكهوف في الجو البارد عوضا عن الهجرة
واستخدم النار في دواعي التدفئة، الدفاع عن النفس، ومعالجة وطهي الطعام والجلود وصنع وسائل حياتية جديدة كالألوان أو الحديد المُعالج في أشكال مبتكرة ساعدت بدورها في تيسير الصيد والدفاع عن النفس من الحيوانات الضارية

واستطاعت المجموعات التعارف على بعضها البعض وتشكيل أواصر اجتماعية أساسها كان التعاون من أجل الصيد والاستعانة ببعضهم في صناعة أفخاخ ومداهمة أفواج الحيوانات المفترسة
وكان معدل حياة الفرد في ذلك الوقت لا يتجاوز الـ٤٠ سنة
أي أن من يبلغ الأربعين ف أواخر العصر الجليدي يعد شخصا هرما خاض الكثير بالفعل ويُعامل معاملة مصدر الحِكمة والتجارب والمعرفة!


عرف الإنسان الأول الأغاني والقصص والرقص وعُثر بكهوف في فرنسا أدوات تشبه الناي والزمامير المصنوعة من عظام الحيوانات، الطبل من جلود الحيوان، حتى إن آداه نقر موسيقية تكونت من عظمة حوض الماموث التي بالنقر على مواضع معينة فيها أخرجت نوتات موسيقية مختلفة.
وبالتالي لم تكن حياة الإنسان الأول مجردة في البحث عن وسائل البقاء فقط، بل فكّر وقدّر الأشياء وابتكر طقوس للترفيه وإمضاء الأمسيات الباردة الطويلة بصحبة المجموعة.. ووصل بفكره للتفكير في أصل الأشياء والكون حوله.



-

إلى هُنا نختتم، ونستكمل في الأسبوع الرابع من كل شهر فصل جديد من الكتاب
المرحلة التالية ستكون عن بناء المنزل ثم الحي ثم المدينة في أحضان الأنهار كدجلة والفرات حيث إحدى المدن الأولى التي شكلها الإنسان، وهو الموقع الذي تزدهر فيه الزراعة فيسهُل الاستقرار
 إلى ابتكار الفنون والتجميل والحُلي .. وحتى التعامُل مع الموتى.


-
انتهى

Comments

الأكثر قراءةً