معضلة اللُّطف في الوقت الصعب



في وقت صار من البديهي فيه سوء التقدير والتعامل والفهم، بات من الصعب الإصرار في أنفسنا على البقاء لطفاء وطيبين..
من منّا -إلا من نَدَر، لديه الطاقة/والمتسع ليكون لطيفا مع غالب الناس/غالب الوقت، أو حتى مع نفسه! في خضم ما يعانيه من مخاوف ثقال تهز أركان استقراره النفسي على مدار الساعة؟ 

يظن البعض أن اللُّطف يُعَدُّ جهدا إضافيا
في حين يؤمن منتهجوه أنه الفطرة الأصلية التي نكون عليها في قرارتنا
طاقة خالصة فطرية نابعة منّا تجاه كل شخص وشيء على حدٍ سواء
وهي طاقة مُستجلِبة للمزيد منها بالتبعية
..

وردت صفة اللُّطف عن الله في آيات قرآنية عديدة
فـ اللطيف اسمه وصفته.. ونحن روحه التي تسري في قوالب طينية بديعة الصُنع
ولأننا منه.. فهي فينا بالفعل مُذ وُلِدنا
.. والمُحصّلة النهائية التي نمتلكها من اللطف تكون بقدر ما نقرر أن نحتفظ به منها

ورغم فطرة اللطف فينا بلا استثناء.. ننسى أو نتناسى.. إلى أن نجهل كنهه في النهاية
 صار الأصوب أن نظنّ السوء في بعضنا البعض حتي يثبت العكس، لكي لا نُصاب بأذى
لكن الفطنة وصدق السريرة أن نبادر باللطف على أية حال
فنحن الشخص المُتأثر بنوعية فعلنا ومنهجنا تجاه العالم في المقام الأول
ولولا تفشّي الشراسة والقسوة كوسيلتي دفاع مبدأي قبل اعتبار أي سُبُل أخرى.. لما صار من الطبيعي رؤية وجوه منكسرة وأنياب خائفة على ناصية كل شارع تبادر لمهاجمتك إحتياطا بدلا من أن تلقي عليك تحية الصباح
وهو ما قد يدفعك بدورك في اليوم التالي أن تشحذ استعداداتك بالخطأ في وجه صديق مُحتمل



Alexandra Levasseur – I Need A Guide

الكاتب الأميركي الساخر "سام ليفنسون" قال: "من أجل شفاه جميلة، ليس عليكم غير أن تتفوهوا بكلمات لطيفة. من أجل عينين لامعتين، عليكم ألا تروا إلاّ الخير في الآخرين. من أجل قوام رشيق، اقتسموا طعامكم مع الجوعى. ومن أجل الاتزان، تأكدوا من ألاّ تكونوا يوما وحدكم".

َلا يمكن لنا أن ننتهج اللطف من دون الآخرين.. فهم مساحتنا التي عبرها نَبذُل ونتلقّى
وبهم، نستوعب المداخل التي تجعلنا لطيفين مع ذواتنا التي غالبا لجهلنا بها، ما تتعرض لجفاء وعدم تفهُّم بل وحتى استنكار لما تخوضه من تجارب ومُستلزِمات نمو وازدهار
وفي الوصل والاتصال.. الجميع سيربح
والكُل مُنعَّم بطاقة الإحسان المُتبادلة

الدراسات حاولت -ولا تزال- إيجاد نتائج فسيولوجية واضحة لأثر الفعل الطيب على الجسم والحالة النفسية
واللُّطف بعد العديد من التجارب، يُحسّن المزاج ويعالج التوتر ويضع حدا حتى لحالات عدم تقدير الذات
الباهر أنه لا يؤثر فقط على فاعله.. بل يحمل نفس قدر الأثر الطيب على مستقبله
تأكدتم إذن لمَ يكمُن فيه علاج كل شيء؟

Tu recepcja - Paintings by Alexandra Levasseur

"في البداية كان اللُّطف.. وما غير ذلك لم يكن إلا بعد اهتراء سعة الناس على احتمال أنفسهم وفهمها ومحبتها"

هي تلك السِعة التي تضيق فينا وبنا ما يجعلنا عرضة للهشاشة في صورتها غير الإيجابية
وليس سوى الفعل الحَسَن، في تقديمه وتلقّيه، يصنع طاقات خفية لم نحسب أنها وُجِدَت فينا قط
نُربِت ويُربَّتُ علينا
نَحكي ونَسمع
ونُطبِّق ما شاء الخالق لهذه الصفة أن يكون على الأرض.. دون التعلُّل بمُكدرات حتمية نحسبها حلّت لتمنعنا من الترابُط في حين ينبغي لها العكس!

في فيلم "يوم جميل في الجوار" الواقعي - وهو من الأفلام القليلة التي أؤمن أن فلسفته ستبقى معي للأبد - يقول توم هانكس مجسدا شخصية مُقدم برامج الأطفال الأمريكي "فريد روجرز": "في أوقات التوتر، أفضل شيء يمكننا القيام به لبعضنا البعض هو الاستماع بآذاننا وقلوبنا".
وما اللُّطف سوى استيعاب التجرُبة، والحق في امتلاك شخص يعير انتباهه الصادق ومحبته من دون شرط
..
..

إنتهى

Comments

  1. استيعاب التجربة يحتاج قدرا من الطاقة ربما ينفذ بمرور الوقت والحق في امتلاك شخص يعير انتباهه الصادق ومحبته من دون شرطا لم يعد حقا
    :(





    ReplyDelete
    Replies
    1. ربما يكون الوضع كذلك في لحظات معينة من حياتنا لسبب وحكمة ينبغي لنا تعلُّمها لو بحثنا بـ جِدٍ لوجدناها
      لكنني موقنة أن الصديق الحقيقي على ناصية البحث، فقط إن تحلينا رغم الإحباط المتكرر بالإيمان.. وكنّا أنفسنا أصدقاء حقيقيون لمن نعرفهم بالفعل.

      Delete

Post a Comment

الأكثر قراءةً